مقال| قبائل حسان و تعرب المجال الشنقيطي
وكالة تيشيت الإخبارية: النائب البرلماني السابق، موسى ابو سيد اعمر، يكتب حول قبائل حسان وتعرب المجال الشنقيطي:
لقد مثلت عمليات الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا باكورة تعرب المنطقة وانتشار الثقافة العربية الإسلامية التي صاحبت تحرك الفاتحين من الشمال إلى الجنوب، فتوحدت المنطقة تحت راية الإسلام وتعززت أواصر التثاقف الحضاري بين القادة والأهالي والتي ستترسخ أكثر ابتداء من القرن 5هـ حين يحكم المرابطون قبضتهم على الصحراء والمغرب والأندلس.
وكان للدور المرابطي كبير أثر في أسلمة الصحراء الشنقيطية وإرساء دعائم الدين الحنيف والثقافة العربية الإسلامية المشبوعة بالمذهب السني المالكي ، فمن الطبيعي أن تعرف اللغة العربية طريقها إلى الصحراء مع المشروع المرابطي وقيام تلك الدولة الإصلاحية (427هـ ـ 541هـ) فاللغة العربية هي لغة الإسلام التي أنزل بها القرآن وشرف بها العرب وكرموا .
اصطحب المرابطون معهم إلى الصحراء شخصيات عربية وازنة كان لها سبق نشر اللغة العربية وانشاء مراكز للتدريس والتعلم في المجال الصحراوي ، فقد عاد أبوبكر بن عمر الأمير المرابطي بعد فتح المغرب الأقصى ومعه علماء أجلاء القاضي الحضرمي دفين آزوكي وإبراهيم الأموي وعبد الرحمن الركاز .
لكن اللغة العربية ظلت حتي بدايات القرن الخامس عشر لغة نخبة ينحسر نطاقها في الطبقة المتعلمة من مثقفين وعلماء فيما بقيت قاعدة المجتمع تتمسك بلغتها الأصلية التي كانت هي أيضا لغة التفاهم المتداولة في التعامل خصوصا بين محدودي العلم وعوام الناس ، ولا أدل على ذلك من وجود لهجات كانت إلى جانب الصنهاجة (اكلام ازناكة) هي المستعملة في الصحراء مثل آزير التي عرفت انتشارها في مدن الصحراء القديمة تشيت ، ودان ، ولاتة حتى عهد قريب.
وتؤكد المصادر البرتغالية خلال النصف الأول من القرن الخامس عشر الميلادي (1448) أن اللغة الصنهاجية لازالت هي اللغة السائدة في الصحراء وأن السفن البرتغالية مما اضطر القباطنة البرتغاليين إلى اتخاذ مترجمين يتقنون اللسان الصنهاجي ، وهذا أمر وارد فمن الطبيعي جدا أن يسود لسان حكام الأرض على مجالهم الجغرافي فصحراء الملثمين ظلت حتى حدود الفترة البرتغالية تحكمها الإمارات الصنهاجية التي ورثت الحكم المرابطي ابدوكل ، انيرزك ، الأنباط ، اديشلي .
ومع هجرة القبائل العربية المعقلية إلى صحراء الملثمين ( ق8هـ/14م) وما صاحبها من تحولات سياسية وثقافية عرفت اللغة العربية انتشارها الأوسع واكتسحت كافة المجال اشنقيطي ، وكانت قبائل حسان المنحدرة من المعقل قد وصلت بعد سلسلة هجرات بدأت من الحجاز إلى صعيد مصر ثم إلى إفريقية ـ تونس ـ بعد معركة القيروان 449هـ /1105م ثم المغرب الأقصى في العهد الموحدي .
وبعد أن صالت مجموعات المعقل في مجالات المغرب الأقصى أيام الدولة المرينية واشتد الصدام بين المرينيين وحسان بدأ اهتمام الأخرين بأطراف الصحراء وذلك بعد أن فوض لهم حكام مرين بعائدات الطرق الواصلة من المغرب إلى مناطق الصحراء ، وانطلاقا من هذه الطرق دخلت قبائل المعقل الصحراء الملثمية وأخضعوا ساكنتها من صنهاجة وخلال قرنين من الزمن تمكن الوافدون من احكام قبضتهم على المجال وذلك ابتداء من القرن العاشر الميلادي حسب إشارة اليون الإفريقي ومرمول كربخال .
وبسيطرة القبائل الحسانية على كافة الصحراء الشنقيطية تعرب المجال وانتشرت اللهجة الحسانية وعمت كل البوادي والمدن على حد قول حماه الله ولد اسالم وبدأت ملامح الثقافة الصنهاجية تختفي تدريجيا ، وفي ذلك يقول المختار بن حامد :”اللهجة الصنهاجية وتقرب من الشلحية وكانت اللسان الوحيد قبل دخول بني حسان وقد طغت عليها الحسانية تدريجيا”.
وفي هذه الحسانية التي حملها المعقل في رحالهم امتزجت العربية الفصحى بكلمات من اللسان الصنهاجي الدارج في نواحي الصحراء والمغربين الأقصى والأوسط مما خلق تكاملا فريدا بين اللغتين ، وتزامن اختفاء الصنهاجية في المنطقة والنفوذ العربي عليها زوال حكم البربر وسيادة العرب على المغرب الأقصى وذلك بعد سقوط المرينيين والوطاسيين وقيام الدولة السعدية ثم العلوية (1060هـ) .
إن المفاهيم الحضارية التي عربت المجال الصحراوي أدت مع حلول القرن الحادي عشر الهجري وتاليه إلى ازدهار مذهل للثقافة العربية الإسلامية في موريتانيا والعالمة منها بصفة أخص فعرفت الثقافة الشنقيطية قمة نضجها وانكب الشناقطة على اللغة العربية واعتنوا بتعلمها ونشرها وكانت المحضرة على تعبير الخليل النحوي مراكز لاحتضان اللغة العربية والتعريب :” فكانت المحاضر مراكز للتعريب بقدر ماهي ما هي مراكز للتعليم”